
فلكيون يكشفون تفاصيل جديدة عن كيفية ابتلاع النجوم للكواكب
شهد الفلكيون احداث كثيرة عن الكواكب والنجوم وبالمقابل نهايات عوالِم منذ آلاف السنين، ولا يزالون يشهدونها،
فحتى في العصور القديمة، لاحظ مراقبو السماء النجم النادر الذي يتفجر سطوعًا على نحوٍ مفاجئٍ ثم يخبو ضوؤه
على مدى أشهر أو سنوات، هذه الانفجارات هي مستعرات عظمى، ويمكن تعريفها بأنها ظواهر فناء نجومٍ متفجرة
يمكن أن تُسفر أيضًا عن تلاشي الكواكب المصاحبة لها، واليوم يستطيع الباحثون المعاصرون أن يرصدوا ثقوبًا سوداء
تمزق نجومًا بأكملها (إضافةً إلى أي أجرام مصاحبة غير مرئية)، كما أصبح بمقدورهم الوصول إلى أدلة على حطام
عوالم صخرية مهشمة تتساقط على نجوم قزمة بيضاء، وهي جثامين شموسٍ خامدة أشبه بالجمر.
لكن مثل هذه الأحداث يُشير فقط إلى احتضار كوكبٍ ما، وتحدد نتائج جديدة الآن معالم الطريق نحو مزيدٍ من عمليات
الرصد المباشر لفناء الكواكب، والتنبؤ بأنواع العوالم التي يمكن أن تبتلعها نجومها وما ينشأ عن ذلك من زيادةٍ في قوة
سطوع النجم، وربما لن يمضي وقتٌ طويل حتى يرى الفلكيون بالفعل التوهُّج المميز الذي يظهر جليًّا خلال اللحظات
الأخيرة للكوكب عندما يبتلعه نجمه، بل إنهم قد يجدون بعض الكواكب التي تظل باقيةً حتى بعد غوصها في نيران
النجم.

ماذا يقول ريكاردو يارزا عن العلاقة بين الكواكب والنجوم
يقول ريكاردو يارزا، الباحث الرئيسي في الدراسة الجديدة، وطالب الدراسات العليا في جامعة كاليفورنيا في سانتا
كروز: إن ابتلاع الكواكب “شيءٌ شائعٌ على الأرجح، لكننا نجهل الكثير من تفاصيله”، صمم يارزا وزملاؤه نموذجًا
حاسوبيًّا للكيفية التي تتفاعل بها كواكب ذات كتل متفاوتة مع الطبقات الخارجية للنجوم المحتضرة المعروفة
بالعمالقة الحمر.
نتائج الدراسة
وتوحي النتائج التي توصل إليها الفريق البحثي بأن الكواكب الكبرى -التي تعدل 10 أضعاف كتلة المشتري على الأقل- قد تنجو عن طريق الإطاحة بالطبقات الخارجية لنجمها، مما يزيد من قوة سطوع ذلك النجم مدةً تتراوح بين بضع ساعات وبضعة آلاف من السنين، ويمكن أن تتسبب العوالم الأصغر في تأثيراتٍ ملحوظة أيضًا مثل الوميض النجمي القصير، ولكنها إذا ابتُلعت، فستعجز حتمًا عن الإفلات من قبضة النجم الجائع، تجدر الإشارة إلى أن الفريق البحثي قدم دراسته لأول مرة في الاجتماع رقم 240 للجمعية الفلكية الأمريكية في باسادينا، بولاية كاليفورنيا.
تأثير نفاذ وقود الهيدروجين
العمالقة الحمر مرحلةٌ ختامية من حياة معظم النجوم التي لها كتلٌ تضاهي كتل الشمس والنجوم الأثقل وزنًا، ومن
المتوقع أن تصير شمسنا أحد العمالقة الحمر بعد نحو خمسة مليارات سنة من الآن، وتنشأ العمالقة الحمر عندما
ينفد وقود الهيدروجين من لب النجم فيبدأ النجم في حرق الهيليوم بدلًا من ذلك، وهو ما يُسفِر عن إطلاق طاقة زائدة
تتسبب في انتفاخ النجم إلى 100 ضعف حجمه الأصلي أو يزيد، ومع تمدد النجم.
يمكن أن يبتلع أي عوالم تدور في مدارات قريبة منه، (هذا ما سيحدث لكوكبي عطارد والزهرة)،
ولكن مع انتفاخ النجم أكثر وأكثر، فإنه يقذف في أغلب الأحيان طبقاته الخارجية أيضًا، وبذلك يفقد كتلته تدريجيًّا وتتناقص
قبضة جاذبيته، يتيح هذا لبعض الكواكب تجنُّب الدمار عن طريق الانجراف إلى مدارٍ خارجي، (ربما تستطيع الأرض الإفلات
بهذه الطريقة في نهاية الأمر)، وفي الوقت نفسه.
تعمل كتلة النجم المتقلصة هذه على تضخيم قوة جاذبية الكواكب القريبة التي تؤثر على النجم المنتفخ،
وهو ما يؤدي إلى ارتفاع نوبات المد على النجم، الذي بدوره يمكن أن يُفقد أي كوكب جاذب زخمَه، ما يُسفِر
عن دخول الكوكب دوامةً قد تنتهي بفنائه، وفي حين قد يبدو مصير الكواكب محتومًا بمجرد أن تبتلعها نجومها،
فإن هذا ليس معناه أن مصير كل كوكب سيكون كارثيًّا بالضرورة.
نقطة اللاعودة
لا شك في أن احتمالات بقاء الكواكب الضخمة أعلى، لكن تحديد ما إذا كان أي عالم معين سيواجه مصيره المحتوم أو سيصمد يتوقف على الكيفية التي يتفاعل بها بالضبط مع العملاق الأحمر بمجرد ابتلاعه له؛ فبداخل الغلاف الجوي
الهائج للنجم، يمكن أن تهيمن قوى الجاذبية على حركات الكوكب، دافعةً إياه إلى الغوص نحو اللب النجمي، حيث
يتمزق تمامًا، وفي الوقت نفسه، يؤدي الاحتكاك الناشئ عن رحلة الكوكب عبر الغلاف الجوي النجمي إلى الإبطاء من
غوص الكوكب فيه وإلى ضخ طاقة في الغاز، وفي حال تمكَّن كوكبٌ ما -بواسطة الاحتكاك- من إثارة الغاز الذي يحيط به
في أطراف النجم بالقدر الكافي، من الممكن أن تتمدد الطبقة الخارجية للنجم وتنتفخ، ما يؤدي إلى إطلاق سراح
الكوكب.
تُعلق كاتريونا ماكدونالد -طالبة الدراسات العليا التي تدرس الأقزام البيض في جامعة ووريك في إنجلترا، والتي لم
تشارك في الدراسة الجديدة- قائلةً: “إذا ما استطاع الكوكب أن يعصف بتلك الطبقات قبل أن يصل إلى نقطة
اللاعودة، فستُكتب له النجاة”.
والأمر ليس مرهونًا فحسب بكون الكوكب ضخمًا بالقدر الكافي
يجب أن يكون توقيت دخوله إلى نجمه دقيقًا لكي ينجو، فإذا حدث هذا الدخول في وقتٍ مبكرٍ أكثر من اللازم في
مرحلة تحوُّل النجم إلى عملاقٍ أحمر، فستصبح طبقات الأغلفة الجوية النجمية كثيفة، مما يجعلها أشد مقاومةً
على نحوٍ يحول دون القذف بها بعيدًا، ومع استمرار النجم المتطور في لفظ مادته، تصير طبقاته الخارجية أكثر
تشتُّتًا وضعفًا، وإذا ما تساوت كل العوامل الأخرى، يَرجُح أن يبقى الكوكب الذي يدخل نجمًا في مرحلة لاحقة
من تحوُّله إلى عملاق أحمر، نظرًا إلى أنه يستطيع أن يزيل الطبقات الخارجية الواهية للنجم بسهولةٍ أكبر.
وإضافةً إلى ذلك، يمكن أن تؤدي المدة التي يقضيها الكوكب في النجم بعد ابتلاعه له دورًا مهمًّا هي الأخرى،
يقول يارزا: “كلما زاد الوقت الذي يقضيه الكوكب داخل النجم، طالت مدة تأثُّره بالقوى المقاوِمة، وزادت الطاقة التي
يمكن أن يخلفها وراءه”، ويؤدي التعرُّض الممتد لمقاومة الغلاف الجوي في الطبقات الخارجية للنجم إلى إبطاء رحلة
الكوكب، وهو ما يمنحه مزيدًا من الوقت لتفريغ الطاقة اللازمة للعصف بالغلاف النجمي، والكواكب الأكبر حجمًا والأكثر
ضخامةً هي وحدها الأكثر قدرةً على الاستفادة من هذا التأثير.
رحل.. ولكن ذكراه باقية
سواء أكان الكوكب كبيرًا أو صغيرًا، فإنه بمجرد ابتلاعه على نحوٍ لا رجعة فيه، يستطيع أن يترك وراءه آثارًا واضحةً
تدل على مصيره.
فعلى سبيل المثال، لاحظ الفلكيون منذ عقود أن بعض النجوم العملاقة تدور بمعدل أسرع بكثير مما هو متوقع،
ويُحتمل أن تكون الكواكب التي ابتلعتها النجوم من الأسباب وراء ذلك الدوران النجمي القوي.
سمادار ناوز
سمادار ناوز، الباحثة في جامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، والتي لم تشارك في الدراسة: “كلما زادت
ضخامة الجرم الذي يُلتهم، كان التأثير أقوى”، وأضافت ناوز أن ابتلاع كوكبٍ ما يمكن أن يدفع النجم -في بعض
الأحيان– إلى الدوران بسرعةٍ بالغةٍ إلى الحد الذي يبدأ عنده في لفظ طبقات الغاز الخارجية؛ فنسبةٌ تصل إلى
40% من النجوم سريعة الدوران في عناقيد نجمية مفتوحة -وهي تجمعات من النجوم حديثة النشأة ومفككة–
تتسق مع احتمالية أن تكون تلك النجوم قد ابتلعت كواكب.
وربما تحمل العمالقة الحمر أيضًا فتاتًا من عوالم ابتلعتها حديثًا في طبقاتها الخارجية، يقول يارزا: إن ما يقرب
من 1% من العمالقة الحمر المرصودة غنية بالليثيوم على نحوٍ غير طبيعي، وأضاف: “هذا أمرٌ يُثير الدهشة؛
إذ إن الليثيوم سهل الاحتراق [في النجوم]”، لكن هذه الوفرة الزائدة يمكن تفسيرها بتصميم نموذجٍ حاسوبي
للكيفية التي يضمحل بها كوكبٌ هالكٌ تدريجيًّا عندما يسقط في براثن نجم، يمكن لأعمدة المادة النجمية المتدفقة
من أسفل سطح العملاق الأحمر أن تحمل قطعًا غنيةً بالليثيوم من الكوكب المدمر إلى الطبقة الخارجية للنجم،
مما يجعلها قابلةً للاكتشاف.
وهجٌ أشدُّ سطوعًا
تنبأت دراساتٌ سابقة بأن النجوم التي تبتلع كواكبها يمكن أن يزداد سطوعها لفترةٍ وجيزةٍ بعدة قيم أسية، ومن
خلال حساب الكيفية التي تنتقل بها طاقة كوكب مبتلَع إلى نجم، أكد يارزا وزملاؤه هذه التنبؤات السابقة وحسَّنوها
من منظور الكواكب، وفي حين أن أكبر العوالم يمكن أن تجعل نجومها تسطع لآلاف السنين، فإن كوكبًا بحجم المشتري
نفسه قد لا يتسبب إلا في ومضة تستمر بضع ساعات، على حد قول يارزا.
من جانبها تقول إيفا فيلافير، الأستاذ بمركز البيولوجيا الفلكية في إسبانيا، والتي تدرس الكيفية التي تتفاعل بها النجوم
مع بيئاتها: “توصَّل هؤلاء الباحثون إلى النتيجة نفسها بطرق مختلفة، وهذا أمرٌ جيد”.
فكرة جيسون نوردهاوس
يُشير الفلكي جيسون نوردهاوس -الباحث بمعهد روتشستر للتكنولوجيا، والذي لم يشارك في الدراسة- إلى إمكانية
رصد ظاهرة السطوع هذه بفضل المعدات الحالية مثل «مرفق زويكي لرصد الأحداث الفلكية العابرة» Zwicky Transient Factory أو المرافق المرتقب افتتاحها مثل «مرصد فيرا سي. روبن» Vera C. Rubin Observatory، ويقول: “إننا نصل
إلى مرحلةٍ يتسنى لنا فيها استعراض الصور التي التُقطت على مدار عقد، والبحث عن شيءٍ يتوافق بدرجةٍ أو بأخرى
مع الزيادة التي تحدث في قوة السطوع”.
ما هو تعليق فيلافير
وتعلق فيلافير قائلةً: “إن رصد نجمٍ في توقيت هذا الحدث بالضبط مسألة صعبة للغاية، ولكن قد يحالفنا الحظ”،
وبقدر ما تكون أحداث السطوع النجمية هذه عابرة، يملك الفلكيون أرقامًا هائلةً داعمةً لهم؛ إذ تشير الاستقراءات
الأساسية المستقاة من مسوحٍ أُجريت على مدار عقود إضافةً إلى آلاف الكواكب الخارجية المعروفة الآن إلى أن
كل نجم تقريبًا يصاحبه كوكبٌ واحدٌ على الأقل، وستكشف التلسكوبات بوضوحٍ -عاجلًا أو آجلًا- عن توهجات غير
متوقعة لبعض العمالقة الحمر، كما ستُميط اللثام عن المصائر المروِّعة التي واجهتها الكواكب المُبتلَعة.
ننصحكم بقراءة:
كوكب محيطي يثير اهتمام العلماء
ولادةُ كوكبٍ جديد بطريقة غير مألوفة
جاذبية الكواكب الأخرى لن ترحم عظامك